الوفود الأولي
كان من أوائل التي قدمت إلى الرسول ‘ وفد بني أسد وقالوا: أتيناك قبل أن ترسل إلينا، وحينها نزلت الآية الكريمة: {يَمُنّونَ عَليكَ أنْ أسْلَموا} وبعدها قدم في شهر ربيع الأول وفد ذي مرة وخولان، فسألهم رسول الله عن صنم لخوان فقالوا: أبشر، بدلنا الله بما جئت به. وأيضاً قدم الزاريون وهم عشرة أشخاص. وفد بني تميم كان من أوائل وأهم القبائل التي جاءت إلى الرسول ‘ وفد بني تميم، فقدم عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي وهو من أشراف بني تميم، وقدم أيضاً الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، فلما دخلوا نادوا رسول الله ‘ من وراء الحجرات، فآذى ذلك الرسول ‘ فخرج إليهم فقالوا: يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا الزبرقان بن بدر وخطيبنا عطارد بن حاجب، فأذن لهم فقال عطارد: الحمد لله الذي له علينا الفضل الذي جعلنا ملوكاً ووهب لنا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم عدداً، فمن يفاخرنا فليعدد مثل عددنا، فقال الرسول ‘ لثابت بن قيس: أجب الرجل فقال: الحمد لله الذي له السماوات والأرض خَلْقُهُ، قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه، ولم يكن شيءٌ قطٌّ إلا من فضله ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً، واصطفى من خير خلقه رسولاً أكرمهم نسباً وأصدقهم حديثاً وأفضلهم حسباً، فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله تعالى من العاملين، فآمن به المهاجرون من قومه وذوي الرحمة، أكرم الناس نسباً وأحسن الناس وجوهاً وخير الناس فعالاً، ثم كان أول خلق الله استجابة لله حين دعاه، نحن فنحن أنصار الله ووزراء رسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن كفر جاهدناه في الله أبداً، وكان قتله علينا يسيراً، والسلام عليكم. فقالوا: يا رسول الله، ائذن لشاعرنا، فأذن له، فقام الزبرقان بن بدر فقال: نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلهم عند النهاب وفضل العرب يتبع ونحن يطعم عند القحط مطعمنا من الشواء إذا لم يؤنس الفزع بما ترى الناس تأتينا سراتهم من كل أرضٍ هوياً ثم نصطنع فننحر الكوم عبطاً في أرومتنا للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا فلا ترانا إلى حيٍّ نفاخرهم إلا استقادوا وكاد الرأس يقتطع إنا أبينا ولن يأبى لنا أحد إنا كذلك عند الفخر نرتفع فمن يفاخرنا في ذاك يعرفنا فيرجع القول والأخبار تستمع وكان حسان بن ثابت غائباً، فدعاه الرسول ‘ ليجيب الزبرقان فأتى حسان بن ثابت فلما سمع ما قاله الزبرقان قال: إن الذوائب من فهرٍ وإخوتهم قد بينوا سنة للناس تتبع قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا يرضى بهم كل من كانت سريرته تقوى الإله وكل البر يصطنع سجية تلك منهم غير محدثة إن الخلائق فاعلم شرّها البدع إن كان في الناس سباقون بعدهم فكل سبقٍ لأدنى سبقهم تبع لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا إن سابقوا الناس يوماً فاز سبقهم أو وازنوا أهل مجدٍ بالندى متعوا أعفةً ذُكرت في الوحي عفتهم لا يطبعون ولا يزري بهم طمع لا يبخلون على جارٍ بفضلهم ولا يمسهم من مطمع طبع إذا نصبنا لحيٍّ لم ندبّ لهم كما يدبّ إلى الوحشية الذرع كأنهم في الوغى والموت مكتنع أسدٌ بحلية في أرساغها فدع أكرم بقومٍ رسولُ الله شيعتهم إذا تفاوتت الأهواء والشيع فإنهم أفضل الأحياء كلهم إن جد بالناس جد القول أو شمعوا فلما انتهى حسان قال الأقرع بن حابس: إن هذا الرجل لَمُؤتَّى له، خطيبهم أخطب من خطيبنا وشاعرهم أشعر من شاعرنا، ثم أسلموا. وفي هذه الحادثة نزلت الآية الكريمة: {إنّ الذينَ يُنادونَكَ من وراء الحُجُراتِ أكثرُهُم لا يعقلون}. مجيء وفد بني عامر ومعهم عامر بن الطفيل استقبل النبي ‘ وفد بني عامر وأحسن ضيافتهم، فأعجبوا بأخلاقه عليه الصلاة والسلام فأسلموا جميعاً، وأعلنوا تأييده، وبالغوا في مدحه، فعن أبي مطرف رضي الله عنه قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ‘ فقلنا: أنت سيّدنا، فقال: >السيد الله تبارك وتعالى<، قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولا، فقال لنا: >قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان<. قصة عامر بن الطفيل: كان مع ذلك الوفد عامر بن الطُّفَيل وأَرْبَد بن قيس وجبّار بن سلمى، وعندما قدم عامر بن الطفيل إلى الرسول ‘ كان يريد الغدر به فقال له قومه: يا عامر إن الناس أسلموا فأسلم، فقال عامر: والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش، ثم قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل فإني سأشغل عنك وجهه، فإذا فعلتُ ذلك فاعْلُهُ بالسيف! فلما قدموا إلى رسول الله ‘ قال عامر: يا محمد خالِنِي، فقال الرسول: لا والله حتى تؤمن بالله وحده. فقال عامر: يا محمد خالني، وأخذ يكلم الرسول وينتظر من أربد ما أمره به، فلم يفعل أربد شيئاً، فلما رأى عامر ذلك قال: يا محمد خالني، فقال الرسول: لا، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له، فلما لم يقبل الرسول بأن يخاليه قال: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً. فلما ذهب قال الرسول ‘: اللهم اكفني عامر بن الطفيل. وعندما خرج عامر مع أربد من عند الرسول قال لأربد: ويلك يا أربد أين ما كنت ما أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجلٌ هو أخوف عندي على نفسي منك، وايمُ الله لا أخافك بعد اليوم أبداً. فقال أربد: لا أبا لك لا تَعْجَل علي، والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا أن دَخَلتَ بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟ وبعد أن خرجوا من عند الرسول ‘ عائدين إلى قومهم بعث الله الطاعون إلى عامر بن الطفيل، فمات، فعاد أربد مع بقية الوفد إلى قومهم وقد كانوا مرتبكين فقال قومهم لأربد: ما وراءك يا أربد؟ فقال: لا شيء، والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله، وخرج بعد ذلك بيومٍ أو يومين ومعه جمل، فأرسل الله تعالى عليهم صاعقةً أحرقت أربد وقتلته.