الإيمان بالقضاء والقدر
قام فرعون من نومه فزعًا؛ لأنه قد رأى في منامه ذهاب ملكه على يد مولود يولد من بني إسرائيل، وفي نفس اللحظة، أصدر فرعون أوامره بقتل كل مولود ذكر. علمت أم موسى بالخبر، فضمت ابنها (موسى) بين أحضانها، ودموعها تنساب على خديها، ماذا تفعل والموت يحيط بوليدها؟ لكن الله -عز وجل- قد تكفل برعايته، فأوحى إليها أن تضعه في صندوق وتلقيه في ماء النيل، وأوحى إلى الماء أن يحمل موسى إلى قصر فرعون. وعندما رآه جنود فرعون أخذوه، فألقى الله محبته في قلب امرأة فرعون، فصاحت في الجنود: لا تقتلوه. ونفذ قضاء الله وقدره، وكان بيت فرعون هو النجاة لموسى من خطر فرعون، قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} [يـس: 82].
الإيمان بالقدر:
الناس في الخلق متفاوتون، هذا طويل، وهذا قصير، وهذا جميل، وهذا قبيح، وهذا قدر الله -عز وجل- في خلقه. والمسلم يؤمن بقضاء الله وقدره، فلا يحتقر نعمة أنعم الله بها عليه، ولا يتمنى ما عند الآخرين، بل يكون راضيًا بقضاء الله وقدره، لأن هذا ركن من أركان إسلامه الذي لا يتحقق إلا به.
قال رسول الله (: (حاج (جادل) موسى آدم، فقال له: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال: قال آدم: يا موسى، أنت اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر كتبه الله على قبل أن يخلقني، أو قدَّره على قبل أن يخلقني؟) قال رسول الله (: (فحج آدم موسى) [البخاري].
والمسلم يعلم أن القدر حق، والإيمان به واجب، بل هو ركن مهم من أركان العقيدة، ولا يكتمل إيمان المرء إلا به، فقد جاء في جواب الرسول ( على جبريل حينما سأله عن الإيمان: (... وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن أن القدر هو ما قدره الله -عز وجل-، فالله -عز وجل- خلق الناس وهو يعلم ما يعملون، قال تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96]، والله -سبحانه- بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وبيده ملكوت السموات والأرض. قال تعالى: {إن الأمر كله لله}
[آل عمران: 154]، وقال سبحانه: {وإليه يرجع الأمر كله} [هود: 132].
والمسلم يعلم أن الإيمان بالقدر يربطه برب هذا الوجود وخالقه ومقدر أمره، فهذا الوجود يسير وفق حكمة عليا وإرادة مختارة، مما يعطي المسلم قوة باعثة على النشاط والعمل الإيجابي والتعامل مع هذا الكون بنفس راضية مطمئنة.
قال تعالى: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون. وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين. وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} [الحجر: 19-21].
والمسلم يعلم أن إيمانه بقدر الله -تعالى- مستمد من إيمانه بصفات الله العلى، وأسمائه الحسنى، ومنها: العلم، والقدرة، والإرادة، فهو سبحانه: {بكل شيء عليم} [الحديد: 3] {وهو على كل شيء قدير} [الحديد: 2]، وهو سبحانه: {فعال لما يريد} [البروج: 16].
والمسلم يؤمن بقضاء الله -عز وجل-، وأنه إرادة الله -عز وجل- قضاها في الأزل (في القِدم)، بمعنى أن كل شيء يحدث الآن، إنما يقع ويحدث وفق إرادة الله -عز وجل- وقدره. قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22].
وقال: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [التوبة: 51].